المواد الخاصة بالمرأة في دستور 2014















كيف غيرت الحركة العمالية وجه الحضارة الإنسانية

كيف غيرت الحركة العمالية وجه الحضارة الإنسانية

بقلم: طارق أحمد مصطفى

مدرب واستشاري النقابات العمالية

يحق للعمال في عيدهم أن يستحضروا تاريخ حركتهم ونضالهم ويفخروا به، ويحتفوا بما أنجزوه وما أنجزه آباءهم وأجدادهم الأوائل، وأن يصلوا الماضي بالحاضر فى هذا التاريخ الحافل بالنضال، حتى يمكنهم فى هذه اللحظة التاريخية الحالية أن يكملوا مسيرة النضال بوعي وإيمان بعدالة قضيتهم، وبفخر واعتزاز بما قدموه للإنسانية.

فعندما قامت الثورة الصناعية فى أوروبا كان من أهم آثارها أنها أدت لظهور نمط الإنتاج الرأسمالى، وهو نمط إنتاجى يقوم فى حقيقته على الفصل بين ملكية أدوات الإنتاج وبين عنصر العمل، وهو ما يضطر أغلب العمال والحرفيين إلى بيع قوة عملهم للطبقة المالكة لأدوات الإنتاج الحديثة، كنتيجة للحاجة الإقتصادية وليست نتيجة لأى ضغط أو إجبار قانونى بعكس الحال فى النظام العبودى الذى كان سائداً فى العصور الوسطى.

ومع انطلاق الثورة الصناعية والتوسع التجارى المصاحب لها، توافدت أعداد كبيرة من العمالة قادمين من الريف، متطلعين إلى المكاسب التى وعدتهم بها الدعايات التى تبشر بخيرات تحرير التجارة وتطوير تكنولوجيا الصناعة – كما هو الحال هذه الأيام. إلا أنهم مع الوقت تبين لهم أنهم ليس لهم نصيب فى النمو الاقتصادى الحادث، وعاشوا خلال هذه الفترات أسوأ ظروف عمل، فقد كان العمل شاقاً وخطراً وكثيراً ما يتسبب فى حوادث مروعة، وكان فضلاً عن ذلك يتم تشغيل النساء والأطفال فى أشق الأعمال بمناجم الفحم وغيرها. ولم يشعر هؤلاء الذين يبنى على أكتافهم هذا النجاح بأى منافع، بل على العكس فإنهم يتعرضون لأسوأ أنواع القهر والإستغلال.

وكان رد الفعل التلقائى للعمال تجاه الثورة الصناعية هو الرفض الذى وصل إلى حد النقمة عليها وعلى آلاتها التى ترسخ استغلال وقهر أصحاب الأموال، وتقضى على كرامة الإنسان وتهمشه. ولكن بمرور الزمن نشأت أجيال جديدة تربت فى كنف آلات المصانع وتحمست للثورة الصناعية، وإن كانت لم تتحمس للإقتصاد الرأسمالى المستغل، ومع الوقت كان الوعى الطبقى لهذه الفئة يزداد، وأبدعوا فى ابتكر الممارسات والتكتيكات والتحركات النقابية دفاعاً عن حقوقهم وحقوق زملاءهم فى مواجهة أصحاب العمل، وتعلموا من خلال التجربة والخطأ حتى أثبتت الحركات النقابية جدواها فى تحقيق كيان متميز لهم، بعد أن مرت بالعديد من التجارب الفاشلة التى عانت وتعلمت منها ، حتى إكتسبت إعتراف المجتمع، وصدرت لها القوانين المنظمة لعلاقات العمل، والتى لا زالت تتطور وتزداد مساحة مكتسباتها إلى اليوم.

وقد أحدثت الحركات العمالية فى جميع أنحاء العالم – بلا ريب – من الآثار الإقتصادية ما فاق تصور الرأسماليين، وأوجدت وضعاً جديداً لقانون العرض والطلب، ودفعت للمزيد من ميكنة الصناعة وتحسين الأداء وتنظيم العمل، ومكّنت العمال من الحصول على إعتراف بتنظيماتهم وبآلياتهم فى العمل النقابى، من مفاوضة جماعية وإضراب ومقاطعة وغيرها، وتوصلت لترسيخ مبادئ العلاقات الإنسانية فى الإدارة، وفتحت الباب أمام الحريات المدنية والسياسية الأخرى، ودعمت النظم الديمقراطية. ولكن على الرغم من ذلك ، لم تحظ بالقدر الكافى من عناية الأكاديميين والمؤرخين ، ولعل ذلك يرجع إلى أن هذه الحركة لم تنشأ عن فكر نظرى فلسفى ، بقدر ما كانت أسلوب عمل تلقائى ، قام على حقيقة بسيطة ومعروفة ، ألا وهى (التضامن) ، وقد حققت فى هذا الإطار الكثير من أهدافها، ولازالت تواصل المسير بجهد وفكر الأجيال الجديدة من أبناء الطبقة العاملة.